أخبار قرية مسكنة

كتاب ” القادم من الشرق : الكاردينال مار اغناطيوس موسى الأول داود”

شارك المقال
د. جورج جبور * – كلنا شركاء

لا أدري عدد الكرادلة المشرقيين الذين كان لهم مكانهم في حاضرة الفاتيكان، ولا أدري من كانت له سيرة مدونة منهم. أما الكاردينال موسى الأول داود، السرياني الكاثوليكي، فقد حظي بسيرة دونها البحاثة الحلبي السوري المقيم في فرنسا الأستاذ جوزيف الياس كحالة، وحظيت بنسخة منها هدية من المؤلف.

وتستحق سيرة الكاردينال موسى الأول داود أن يخصص لها كتاب. إنها سيرة خدمة لاهوتية حافلة بالنجاح المشهود. فالطفل الذي ولد في قرية مسكنه قرب حمص يوم 18/9/1930 أظهر منذ طفولته ميلاً للخدمة اللاهوتية. وهكذا ففي عام 1941 – وعمرة /11/ سنة – أُرسل إلى القدس فدرس في الأكليريكية الصغرى، على أساتذة معظمهم من الآباء البندكتان. واستمر الطفل ثم الفتى ثم الشاب يرتقي في سلم الخدمة وفي سلم الثقافة. وهكذا فقد استقر في أبرشية حمص بين 1964 و 1970. ثم غادرها إلى مقر البطريركية في بيروت، ثم إلى أبرشية القاهرة عام 1977 وبلغ قمة جديدة في الخدمة حين تم انتخابه بطريركاً عام 1998، ثم حين عينه قداسة البابا في 25/11/2000 رئيساً للمجمع المقدس للكنائس الشرقية. سيرة نجاح متصاعد سيرته، وهي تستحق أن يُنظر إليها بتمعن. أهم ما فيها – كما أرى – تلك العلاقة الحميمة التي أقامها نيافة الكاردينال مع قداسة البطريرك مار أغناطيوس زكا الأول عيواص، بطريرك السريان الأرثوذكس، والتي أنتجت لقاءات وحوارات، وتم في إطارها وضع نظام داخلي للجنة حبرية سريانية مشتركة وقع في معرة صيدنايا، قرب دمشق، يوم 22/5/2000.

قرأت الكتاب المفيد الموثق فثارت في الذهب نقاط أربع اثنتان منهما وردتا في الكتاب.

النقطة الأولى تصاغ على هيئة سؤال: إلى أي حد يستطيع الكاردينال المشرقي أن يحتفظ بكامل مشرقيته في حاضرة الفاتيكان؟ الجواب – كما استخلصته من الكتاب – : يستطيع ذلك إلى حد لا بأس به. فلنقرأ هذين المقتطفين:

“أراد الكاردينال الجديد الاحتفاظ بالجبة والقلنسوة الخاصتين بالكنيسة السريانية الانطاكية الكاثوليكية، فبأي لون تكونان…. تمّ الاتفاق مع الكاردينال الجديد، بعد النقاش الطويل (التشديد مضاف من صاحب هذه الأسطر) على أن يحتفظ بالزي البطريركي الخارجي، ويكتفي بلبس الجبة الأرجوانية مع الزنار الأحمر. وعندما يمنح البابا سائر الكرادلة القبعة الحمراء، يمنح البطريرك – الكاردينال – رقيم التعيين فقط، من دون القبعة”.

انتهى المقتطف الأول. وهاكم الثاني:

“تُعيّن لكل كاردينال جديد كنيسة في روما تحمل اسمه، وله حقوق معينة عليها… وهنا فضّل البطريرك – الكاردينال …. أن يقتصر تعيينه على كنيسة انطاكية لا غير”…. (المقتطفان من ص 87 – 88).

إذن: يحتفظ الكاردينال المشرقي بمشرقيته لكن بعد نقاش طويل، وضمن استثناءات تفصله عن بقية الكرادلة.

أما النقطة الثانية فتختص بمكان السريانية كلغة في إطار الدولة اللبنانية والمنطقة. يورد المؤلف أن موسى الأول داود أيّد “طلب الاتحاد السرياني الموجه إلى السلطات اللبنانية باعتماد اللغة السريانية في الدولة لغة رسمية إضافية” (ص /82/). تلك نقطة هامة ولها مكانها السياسي والعلمي في العراق. كذلك يتم في سورية التداول بشأن كيفية التوسع في العناية باللغة السريانية.

وتبقى نقطتان في الذهن أحسب أنهما لم تردا في الكتاب. ولعلي أسأل نيافة الكاردينال، وأسأل أيضاً مؤلف الكتاب وهو البحاثة المتميز في شؤون المسيحية المشرقية، أن يتكرما فيعالجا هاتين النقطتين.

النقطة الأولى التي لم أجد لها مكاناً وافياً في الكتاب، ولعلي لم أجدها أبداً فيه، فهي قضية فلسطين. ما مدى إمكان انشغال كاردينال مشرقي بقضية فلسطين وهو مقيم في حاضرة الفاتيكان؟ تشغل قضية فلسطين – ويومياً – ضمير كل مسيحي مشرقي. ومن الهام معرفة خبرة الكاردينال موسى الأول داود في هذا المجال ليس في مجال التعاطف الفاتيكاني الإنساني مع محنة الفلسطينيين، بل مع “الأصل اللاهوتي” – أو ما يقال أنه كذلك – لكل قضية فلسطين.

النقطة الثانية هي تلك التي كانت كامنة في أعمال الرسل ثم أثارها البابا بندكتوس السادس عشر في خطابه الشهير في جامعة ألمانية. مؤدى النقطة: فسر قداسة البابا آية في أعمال الرسل عن انقطاع الطرق إلى آسيا، فسرها على نحو فُهمَ بأنه يجعل آسيا أقل أهلية لتقبل المسيحية من أوروبا. النقطة خطيرة، وقد أثرتها في مداخلة مكتوبة قدمتها ضمن إطار فعالية لمجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. كان ذلك يوم 16/1/2008 في جنيف. فقد تساءلت عما إذا كان ثمة تفرقة عنصرية في المسيحية تجعل من مسيحيي آسيا درجة ثانية. كان ذلك أثناء التحضير لمؤتمر عرف باسم مؤتمر دربان الثاني وقد عقد في جنيف ربيع عام 2009. هل بإمكان نيافة الكاردينال أن يلقي شيئاً من الضوء على تلك النقطة؟ وأقول لنيافته: ذات يوم فاتحت البطريركية السريانية الأرثوذكسية بالأمر بمناسبة عقد اجتماعٍ لها في سورية مع وفد فاتيكاني. ثم بالطبع ما رأي صديقنا البحاثة الأستاذ كحالة؟

وتحية تقدير ومحبة إلى نيافة الكاردينال موسى الأول داود، الذي كانت لي فرصة تبادل الحديث معه أثناء زيارة قداسة البابا الراحل إلى دمشق عام 2001، وتحية تقدير ومحبة إلى مؤلف الكتاب وهو صديق غال رغم أنني لم ألتقِ به بعد!