أخبار الأهل والأحبة
سيرة القديس إليان الشيخ وديره في القريتين
سيرة القديس إليان الشيخ
وديره في القريتين
(بناء على طلب البعض وهي تختلف عن قصة مار اليان الحمصي الطبيب)
المهندس جورج فارس رباحية
وُلِدَ القديس إليان في الرُّها ( أورفا حالياً ) (1) في بداية القرن الرابع الميلادي وإن أهم المصادر التي تُعرِّفنا عن سيرة حياته هي أناشيد للقديس أفرام السرياني (2) وهو أحد تلامذة القديس إليان . كما كتب سيرته تيودوريتس (3) أسقف قورش (4) في كتابه ” تاريخ أحباء الله” الذي يعود إلى القرن الخامس الميلادي . والجدير بالذكر إن هذا القديس ليس هو نفسه القديس إيليان الحمصي المُكَرَّم في حمص الذي استشهد سنة 284 م .
إن القديس إليان الشيخ ( أو اليان الرهاوي ) الذي كان يُدعى من أهل بلاده بالشيخ لأجل عظيم كرامته كما يُسمّونه ( سابا ) إجلالاً له والتي تعني شيخاً باللغة السريانية . وقد اشتهر بتنسّكه وصومه وعُزلته في أحد الكهوف من جبال الرُّها ،ويتلو المزامير الداوودية وكان يصرخ دائماً ويقول : ( يارب كلامك طيّباً في مذاقي أحلى من الشهد في حنكي ) وكان طعامه من السبت إلى السبت دفعة واحدة ( خبز شعير بنخالته بالإضافة إلى الملح والماء ) ولم يلبس أكثر من ثوب واحد طيلة حياته وقد جمع حوله ما يزيد عن مائة رجل ليعيشوا على مثاله حياة نُسْكٍ وتعَبُّد . كما عُرِفَ عنه الكثير بصنع المعجزات باسم الرب يسوع . وكان يذهب كل سنة مع بعض تلاميذه في بداية الصوم الأربعيني ( بداية الربيع ) في رحلة حج يقطعون البادية سيراً على الأقدام مدة اربعين نهاراً وأربعين ليلة ليصلوا إلى القدس ويحتفلوا بأحد الشعانين وبأسبوع الآلام والقيامة ثم يعودوا إلى مناسكهم .كما ذهب إلى أنطاكية لنجدة المؤمنين لإبعادهم عن شِباك الهرطقة وتثبيت الديانة المسيحية فاختلى في الكهوف القريبة من المدينة حيث يُقال أن الرسول بولس قد أوى إليها واختبأ فيها . وفي إحدى السنوات أراد القديس إليان متابعة الطريق مع تلاميذه نحو سيناء ليصعدوا الجبل الذي أنزل الله فيه الوصايا العشر على النبي موسى ، ورغب مع تلاميذه ببناء كنيسة على الجبل وتمّ لهم ذلك .
وما أن دنت المنيّة من القديس إليان حتى جمع تلاميذه وأوصاهم ألاّ يضعوه في قبر ، إنما يضعوه على عربة تجرّها الخيول وحيث ينتهي الطعام فيدفنوا الجثمان في ذلك المكان ويعودوا مناسكهم . وكان إذ رقد بالرب سنة 364 م أن تمّ ذلك قرب مدينة القريتين (5) حيث توقفت العربة فدَفَنَ الرهبان القديس وعادوا إلى ديارهم . إلاّ أنهم ما لبثوا أن عادوا إلى القريتين مروراً بجوار حلب حيث حملوا معهم قبراً من الرّخام الروماني المنحوت ووضعوا فيه جثمان القديس وبنوا كنيسة صغيرة حول القبر لا تزال قائمة حتى اليوم .
تـاريخ الــــدير
لقد ابتنوا تلاميذ القديس إليان ديراً حول الكنيسة سكنوا فيه وكانت الانطلاقة لحياة رهبانية نسكية في البريّــة . يقع الدير القديم في الشمال الغربي من القريتين ويبعُد عنها 3 كم . يزوره المرضى والمشلولون للاستشفاء ويلتجئ إليه أهل المنطقة من الحضر والبدو في كل عاهاتهم وله احترام كبير عند المسلمين ويُسمّى عندهم ” أحمد الحوري ” .
يعود تاريخ بناء الدير إلى نحو القرن الخامس والسادس الميلادي استناداً لمعطيات أثرية ثابتة كبوّابة الدير الصغيرة التي تعلوها زخارف جميلة وهي بهذا الحجم الصغير كسائر أبواب الأديرة القديمة وذلك لغايتين : الأولى تحصيناً للمكان ولحمايته من الغزوات والثانية تخشّعاً عند دخول الدير . وعلى باب الكنيسة كتابة عربية من عام1473م للأمير سيف يحظرعلى أهل البادية أن يتعرَضوا لسكان الدير بالأذى . وللمقام باب من خشب الأرز ( ارتفاعه 177سم وعرضه 99 سم )والذي يعود إلى القرن السابع الميلادي هو جميل النقش يمثّل صوَر لبعض النباتات والحيوانات التي كانت متواجدة في ذلك العصر كسنابل القمح وأغصان كروم العنب والغزلان . وهو معروض حالياً في متحف دمشق وداخل المقام يوجد ناووس (6) من رخام قديم عليه نقوش يُقال أن فيه ذخائر القديس إليان وعلى الناووس كتابة سريانية بالقلم السطرنجيلي وكان على يمين الناووس مقام صغير يُقدِّم فيه الكهنة الذبيحة الإلهية ويوجد أيضاً عدة كوى محفورة بالحائط تدلّ على أنها كانت سابقاً مدافن لأهل الدير . تم حالياً بناء كنيسة حديثة داخل الدير وبالقرب من الضريح وبناء غرف عديدة لأعمال الدير .
إن مساحة الدير تقارب 1800 م2 مع مساحة 65 هكتار من الأرض التي تُحيط بالدير وتتبع له . كانت هذه الأراضي مزروعة بكروم العنب لثلاثين سنة خلت وتُسقى من النبع الذي استخدمه الرُهبان على مر العصور . وفي عام 1978 جف النبع وانتهت بذلك الحياة الزراعية في تلك البقعة . في عام 1997 تم حفر بئر في الناحية الشرقية من الدير ، وبدأ أفراد الرعية بزراعة الأراضي المحيطة بالدير على مراحل بأشجار الزيتون والمشمش واللوز والعنب وإحاطتها بسياج من الأشجار الحراجية كما تم زراع قسم من الأرض بنباتات رعوية : ( رغل : Atriplex sp. و روثة : Salsola sp. ) واتّبع نظام الري بالتنقيط من مياه البئر توفيراً للمياه .
وقد اهتمّت المديرية العامة للآثار والمتاحف بدمشق بهذا الصرح التاريخي فأقرّت مشروعاً للتنقيب بتعاون مشترك سوري ـ بريطاني ملتزم بالعمل بصيف كل عام ، كان بدايته مع الدكتورة إيما لوسلي والآنسة ورود ابراهيم . وتم تخصيص بعض الغرف في الدير لحفظ ما يتم جمعه من عمليات التنقيب .
يُعْتَبَر القديس مار اليان الشيخ نعمة لحياة سكان المنطقة إذ إنه مُكَرَّم من الجميع وتزوره العائلات المسيحية والمسلمة .
يتبع الدير لطائفة السريان الكاثوليك ويُعَيَّد له في / 9 / إيلول من كل عام . حيث تُقام احتفالات كبيرة في هذا اليوم ويهتف المؤمنون أمام الدير :
مار اليان دستورَكْ زُوَّارْ وجينـا نزوركْ
ولمّا وصِلْنا ع بابَكْ طِلْعِتْ ريحة بَخُّـورَكْ
المهندس جورج فارس رباحية
المفـــردات :
(1) ـ الرُّها أو أورفا حالياً : مدينة شمال شرق حلب في الأراضي التركية قريبة من
الحدود السورية . نشأت في النصف الأول من القرن الثالث اشتهرت بمدرستها
اللآهوتية … فتحها العرب سنة 639 م .
(2) ـ القديس أفرام السرياني ( 306 ـ 373 ) من آباء الكنيســـة الشرقية وُلِدَ
في نصيبين ( تقع في الأراضي التركية شمال القامشلي ) وعلَّمَ في الرُّها .
لُقِّب بكنارة الروح القدس له مؤلفات وقصائد تعليمية دينية .
(3) ـ تيودورتس ( 393 ـ توفي بين 458 و 466 ) أسقف قورش .
(4) ـ قورش : أو خورس قديماً موضع في سوريا شمال إعزاز قرب الحدود التركية .
(5) ـ القريتين : مدينة تقع في بادية حمص ( مركز ناحية ) وتبعد عن حمص حوالي
100 كم باتجاه جنوب شرق حمص وترتفع عن سطح البحر 759 م . عدد
سكانها يقارب32000 نسمة يقيم منهم فعلياً حوالي 14500 نسمة .
(6)ـ الناووس : جمع نواويس : عبارة عن قبر من حجر منحوت توضع به جثة الميت .